القناة ـ محمد أيت بو
عاد الشد والجذب بين الأوساط المحافظة والحداثية بالمغرب بشأن النقاش الدائر حول “المناصفة في الإرث” ومطالب بتضمينه في التعديل المرتقب لمدونة الأسرة، خاصة أن الأولى تشدد على ضرورة ارتباطها بتعاليم الشريعة الإسلامية، والثانية تنادي بحتمية استجابة المدونة لمضامين الدستور والمواثيق الدولية.
ورغم أن الأحزاب السياسية المشكلة للبرلمان سواء في الأغلبية أو المعارضة لم تتقدم بأي مشروع قانون يتضمن طرح المناصفة في الإرث، إلا أن أصواتا حقوقية ونسائية تطالب بضرورة فتح النقاش حوله ضمن مسلسل تعديل مدونة الأسرة المرتقب.
وتطالب العديد من الجمعيات الحقوقية، بإقرار المساواة الكاملة بين الجنسين بشكل يواكب التحولات التي يشهدها المغرب، مشيرة إلى أن الإصلاح الجديد لمدونة الأسرة يجب أن واضحاً فيما يتعلق بقضايا زواج القاصر وتعدد الزوجات، كما ينبغي مراجعة نظام الإرث، بمبرر أن العديد من النساء أصبحن المعيل الوحيد لأسرهن.
على النقيض، دخل حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، إلى حلقة النقاش رافعاً بطاقة الرفض في وجه الجسم الحقوقي الداعي إلى فتح النقاش حول العديد من القضايا التي تعرقل المشاركة الكاملة للمرأة في مسلسل التنمية وبالخصوص موضوع “المناصفة في الإرث”.
ويرى الحزب الإسلامي، أن هذه الدعوات “شاردة وغريبة عن قناعات المجتمع المغربي المسلم وانتظاراته الحقيقية”، معتبراً إياها “خطوة خطيرة ستؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري ووضعه على سكة المجهول، وتهديدا للاستقرار الوطني المرتبط بما استقر عليه نظام الإرث في المجتمع المغربي طيلة أزيد من 12 قرنا”، وفق تعبيره.
سيناريو خطة إدماج
أعاد النقاش الحالي إلى الأذهان، الجدل الواسع الذي رافق الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية خلال حكومة التناوب الأولى سنة 1999، والذي أثمر في نهاية المطاف مدونة الأسرة في صيغتها الحالية، بعد صراع كبير بين القوى الإسلامية من جهة، التي قادت مسيرة احتجاجية في الدار البيضاء ضد مضامين الخطة، وبين الأوساط الحداثية من جهة أخرى، التي ردت بمسيرة مضادة في العاصمة الرباط للمطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات.
هذا التجاذب السياسي والإيديولوجي بين تيارين متناقضين سيستمر إلى أن وصل إلى مرحلة التحكيم الملكي، وذلك تفعيلاً للدور الذي كرسه دستور المملكة في الفصل الـ42، الذي ينص على أن “الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها (..)”
وأعلن حينها الملك محمد السادس عن تكوين لجنة استشارية متعددة الاختصاصات لاقتراح تعديلات حول مدونة الأحوال الشخصية، التي توجت سنة 2004 بالاعتماد الرسمي لمدونة الأسرة في صيغتها الحالية.
التأطير الملكي
وكان الملك محمد السادس، في يوليوز 2022 ضمن خطابه بمناسبة الذكرى 23 لتربعه على عرش المملكة، قد دعا إلى تعديل مدونة الأسرة، مؤكدا أن “بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية”.
وأشار ملك البلاد إلى أن أهم الإصلاحات التي قام بها منذ توليه عرش المملكة “إصدار مدونة الأسرة، واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه”.
وقال الجالس على عرش المملكة: “بصفتي أمير المؤمنين ، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
وشدد ملك المغرب، على أن “تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة”، مؤكدا أن “تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية”.
فهل يعيد التاريخ نفسه، ويتدخل الملك محمد السادس لينهي الانقسام بين الإسلاميين والحداثيين، الذي تحيل بوادره أنه سائر في التطور مع اقتراب طرح وزارة العدل لمنهجية مقاربة ورش إصلاح مدونة الأسرة تنفيذا للتوجيهات الملكية؟.