القناة – عفراء علوي محمدي
إقبال متزايد ذاك الذي تعرفه منصات الربح السريع، من تسويق هرمي أو “بوت” أو استثمار بالعملات الرقمية، إذ باتت هذه المنصات ملاذا للعديد من الشباب، رغم المخاطر المحدقة، والمتمثلة أساسا في التعرض للنصب أو الخضوع للمساءلة والمتابعة القانونية، لاسيما وأن هذه الأساليب الربحية تتعارض مع مقتضيات قانون الصرف المغربي المعمول به.
هؤلاء المنخرطون الحالمون بدخل مالي سهل دون عناء يجسدون بدورهم طعما فعالا لغيرهم، إذ تشترط هذه المنصات ضرورة إشراك أشخاص آخرين في النظام للحصول على مزيد من الأموال، بالإضافة إلى عمولة عن كل عملية ربح قام بها المنخرطون الجدد، ما يسيل لعاب الأعضاء لإضافة أشخاص آخرين يضيفون بدورهم تابعين، وهكذا إلى أن يتم تشكيل شبكة مترابطة الفروع، تتألف من منخرطين مباشرين وغير مباشرين.
صفقات وأرباح وهمية
إسماعيل، شاب في ال25 من عمره، مولع بعالم منصات التسويق الهرمي/الشبكي، سرد ل”القناة” أهم مرتكزات الانخراط فيها، مشيرا إلى أن الشروط الأساسية تتحدد في المساهمة عند الدخول بمبلغ مالي معين، تختلف قيمته حسب طبيعة كل منصة وأهدافها ومقدار الربح الذي تقترحه، وكلما كان هذا المبلغ أكبر زادت نسبة الربح. يضيف إسماعيل أن هذه المنصات تشترط ضرورة إشراك أشخاص جدد باعتماد الرابط الإلكتروني الشخصي من أجل تفعيل الحساب، وقد تلزم أيضا المنخرطين التابعين أن يدخلوا بدورهم أموالا للانخراط.
وعلى المنخرطين المساهمة بمبلغ مالي محول بالضرورة إلى العملة الرقمية، خصوصا منها عملة USDT أو ما بات يعرف بTether (تساوي 9,82 درهم مغربي)، ورغم أن هذه العملة ممنوعة قانونا في العديد من البلدان، إلا أنها أضحت منذ سنوات العملة المعتمدة على منصات التسويق الهرمي، نظرا لسهولة تداولها، وللإقبال المتزايد عليها من طرف المساهمين.
وللاستفادة من الربح، يشرح إسماعيل أن على المنخرطين تحقيق عدد من الأهداف اليومية، المتمثلة في الضغط على أحد الأزرار الموجودة بموقع المنصة أو تطبيقها، مع الاستمرار في الضغط اليومي ليتسنى للمعني جني بعض الأموال الإضافية، إلى أن يصل بعد أسابيع إلى مضاعفة المبلغ الذي ساهم به في البداية أو أكثر.
يتابع إسماعيل: “تزعم هذه المنصات، التي غالبا ما تكون مجهولة المنشأ، أنها تقوم بصفقات وعمليات معقدة للتداول بالعملات الرقمية، ما يسمح للمنخرط عند كل كبسة زر بهامش ربح صغير، وهكذا، وكلما كانت مساهمته أكبر، كانت العملية التداولية أكثر تعقيدا، تتيح له بالتالي قدرا أكبر من الربح، إلى أن يتمكن من مضاعفة الأرباح وسحبها في آخر المطاف على شكل أموال رقمية، ليقوم بعد ذلك ببيعها ويجني أموالا ملموسة بالدرهم”.
غير أن واقع الحال ليس كما يتخيله المنخرط المبتدئ، فالقاعدة الذهبية في عالم التسويق الهرمي تقول: “انخرط أولا لتربح مؤكدا وتتجنب الإفلاس بعد الإغلاق”، وهذا يعني أن معظم المشاركين هم على دراية مسبقة بالوضع، الذي يعد بالنسبة إليهم مغامرة تحتمل الربح أو الخسارة.
يحكي إسماعيل تجربته في هذا الصدد، قائلا: “أتذكر أنني انخرطت في العام الماضي في تطبيق يدعى Costek، كانت الأمور في البداية تحت السيطرة، حيث تمكنت من جمع عدد كبير من التابعين الذي يقارب ال50، وبدأت أجني في اليوم الواحد أزيد من 150 USDT، أي زهاء 1500 درهم. في أحد الأيام، دخلت التطبيق كعادتي للنقر، فوجدت أن الإدارة قد أعلنت عن مضاعفة الأرباح فورا عند إيداع مبالغ كبيرة، ولأن العرض كان مغريا بشكل جنوني وصعب التصديق، فهمت أن التطبيق يقترب من نهايته”.
يرى إسماعيل أن هذا العرض كان بمثابة المصيدة للمبتدئين والأشخاص الذين يثقون في Costek، إذ سقط العديد منهم في الفخ، بمسارعتهم للإيداع من أجل مضاعفة الربح الوهمي، “منذ ذلك الحين، لم يعد التطبيق يعمل، وأصبحت كل الأموال التي جنيناها مجرد أرقام تتحرك وغير قابلة للسحب. عندها تألفنا إلى فريقين: فريق تقبل الخسارة كما فعلت، وفريق آخر استمر في تسجيل الحضور يوميا من أجل النقر على أمل عودة التطبيق للاشتغال، استمر الوضع على هذا الحال لأزيد من شهرين مع توقف سحب الأموال التي أصبحت ضربا من ضروب اللاشيء، قبل أن يتحول التطبيق إلى صفحة بيضاء”، يضيف إسماعيل.
اقتراض من أجل الخسارة
ابتسام، 31 سنة، أم لطفلين، تروي لـ”القناة” عن خسارتها الفادحة في منصة تدعى Fluxon، وهي منصة مشابهة إلى حد ما لCostek، إلا أن ما يميزها هو الهامش الكبير من الربح الذي تتيحه. تقول: “ساهمت ب15000 درهم بالمنصة، مما مكنني من الانتقال مباشرة إلى المستوى الثالث، وهو مستوى يتيح حجز 10000 درهم من أجل ربح 1000 درهم عن كل يوم، كنت عندها أنتظر مرور 15 يوما فقط لأتمكن من سحب المبلغ الذي ساهمت به، إلا أن السحب توقف قبل أن أحقق المراد”.
لFluxon مميزات تتجلى أساسا في الربح السريع الذي تضمنه للمنخرطين، ف100 درهم تحقق ربح 10 دراهم في اليوم بالمستوى الأول، و1000 درهم تحقق 100 درهم يوميا بالمستوى الثاني، أما 10000 فتمكن المنخرط من ربح 1000 درهم يوميا بالمستوى الثالث، وعند كل عملية إيداع، يتم حجز المال حسب كل مستوى، ولا يسمح بذلك للمنخرط بأن يسحب سوى الأرباح التي يجنيها، وعندها يتسابق المشاركون إلى تحقيق قيمة المبلغ الذي ساهموا به أولا، قبل تحقيق الأرباح.
ولا تشترط هذه المنصة بالضرورة إشراك منخرطين جدد من أجل الربح، بل يمكن الاكتفاء بمبلغ الإيداع الأول، “لم يكن لدي أي فريق، إلا أن مواظبتي على النقر جعلتني أجني المزيد من الأموال، كنت آمل التمكن سريعا من تحقيق المبلغ الذي انخرطت به لأحصل على الفوائد المرجوة، لكن المنصة أغلقت وذهبت بأموالنا جميعا”، تقول ابتسام في حسرة.
وتشير ابتسام إلى أن انخراطها في منصة Fluxon وضعها في مأزق لا تحسد عليه، لأنها اقترضت الأموال التي ساهمت بها من صديقاتها وزوجها، وهي الآن مطالبة بسداد الديون، بينما كانت في البداية تحلم بالحصول على أرباح بغرض تسجيل أبنائها في مدرسة خاصة.
في النهاية، يكون هدف منصات التسويق الهرمي الحقيقي هو النصب، فإذا لم يلتحق المنخرطون منذ البداية، فإن معظمهم لا يتمكن من تحقيق الأرباح، أما الربح الذي يجنيه الأوائل، فلا يكون إلا من أموال الملتحقين الجدد، ولا وجود بذلك لأية صفقات أو عمليات لتعدين العملة والتداول بها، تقول ابتسام: “سمعت عن المنصة قبل شهر من تسجيلي بها، وكنت مترددة قبل الانخراط، حتى بدا لي أنها موثوقة نوعا ما وأنها قد تستمر لفترة أطول، لكنني وقعت في الفخ، فلو أنني انخرطت بمجرد إنشائها، لكنت قد جنيت الأرباح كما حدث لبعض زميلاتي”.
شبكات للنصب والاحتيال
في تعليقه على هذا الموضوع، قال أمين رغيب، المستشار والخبير في التكنولوجيات الحديثة، إن مكتب الاستشارات والدراسات، الذي يترأسه، والذي يشتغل في مجال الجرائم الرقمية، يتلقى العديد من الشكاوى من ضحايا منصات التسويق الهرمي، الذين يسعون إلى تحقيق الربح السريع من خلال هذه التطبيقات، لكنهم في نهاية المطاف يتعرضون للنصب بطرق متنوعة.
وكشف رغيب، في تصريح لـ”القناة“، أن المكتب استقبل خلال الشهر الماضي فقط ثلاث حالات لضحايا الاحتيال عبر هذه المنصات، بينما كان قد استقبل عشرات الحالات شهر يونيو المنصرم بمجرد إغلاق منصة LST الشهيرة، مشيرا إلى أن خسائر هؤلاء الضحايا كبيرة، ومنها ما يتجاوز 160 ألف درهم.
وحول هذه المنصة، أفاد الخبير بأنها كانت تدعي شراء مجموعة من البطاريات أو مخزنات الشحن (Power Banks) بأموال المساهمين، لتقوم بتأجيرها لتحقيق الأرباح، مؤكدا أن هذه المزاعم ليست سوى أكاذيب تهدف إلى إقناع الضحايا بوجود أرباح ملموسة، في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد احتيال.
وأضاف أن التطبيقات الأخرى، التي تطلب من المستخدمين القيام بمهام يومية لجمع مبلغ معين، غالبا ما تخدعهم، إذ يكتشفون في النهاية أنهم مطالبين بدفع رسوم إضافية، دون أن يتمكنوا من سحب أية أموال حقيقية أو تحريرها.
وأشار رغيب إلى أن استخدام عملة USDT يصعب معه تحديد هوية الأشخاص القائمين على هذه التطبيقات، وهو ما يفسر اعتمادها بكثرة، حتى يتمكن مسيروها من حماية أنفسهم وممارسة نشاطهم الإجرامي بعيدا عن أية شبهة.
وأشار إلى أن ما يدفع المستخدمين للثقة بهذه المنصات هو تحقيقهم في البداية لأرباح طفيفة، لكنهم، وبمجرد أن يستثمروا مبالغ أكبر طمعا في ربح أكبر، يتعرضون للنصب.
لهذا السبب، حذر رغيب المغاربة من استعمال هذه المنصات، مشيرا إلى أن أغلب التطبيقات التي تستخدم عملة USDT، إن لم يكن جميعها، هي منصات احتيالية، داعيا إلى ضرورة الاستفسار والتحقق المسبق قبل اتخاذ أية خطوة للاستثمار بالعملات الرقمية، وتجنب ما أمكن هذا النوع من الاحتيال الذي يتزايد بسرعة.
كما أكد الخبير، في ختام تصريحه، أن أي نشاط يتعلق بالتسويق الهرمي هو مجرد عملية احتيال، بصرف النظر عن شهرته وطبيعته ومزاعم أصحابه.