محمد بن لحسن
ظلت الملفات الاجتماعية في تاريخ الحكومات المغربية بمثابة “الترمومتر” الذي يقاس به مدى نجاحها أو فشلها في التعاطي مع المطالب والانتظارات المطروحة، وعلى رأسها قضايا التعليم والصحة والتشغيل والسكن.
أبدت الحكومة الحالية التي يقودها عزيز أخنوش منذ المائة يوم الأولى من تنصيبها رغبة جامحة في إصلاح القطاعات الاجتماعية، عبر إيلاء العنصر البشري أهمية قصوى، ولعل ما أسفر عنه الاتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية التعليمية من زيادة عامة في الأجور، يمكن اعتباره أحد تمظهرات هذا النَفَس الاجتماعي الجديد.
حين أشهر أخنوش خلال الأشهر الأولى من توليه مسؤولية قيادة حكومة التحالف الثلاثي، شعار “قليل من الكلام، كثير من العمل”، كان واضحا للمتابعين للشأن الحكومي والسياسي أننا أمام حكومة عملية، تسير نحو فتح ملفات ظلت حبيسة الرفوف لسنوات، الأمر الذي لمسه أطر وموظفي المؤسسات العمومية خاصة في التعليم العالي والصحة وقطاع التربية الوطنية.
بالتركيز على قطاع التعليم، كان واضحا منذ البداية أن مسلسل إصلاحه يتطلب الكثير من الشجاعة السياسية والتدبيرية بدرجة أولى، هذا الإصلاح بدأت ملامحه تظهر للعيان من خلال تحسين دخل نساء ورجال التعليم، كأحد المداخل الأساسية لإصلاح منظومة راكمت الأزمات والعشوائية في التدبير.
إن المتابع المنصف للعمل الحكومي، لا يمكن إلى أن ينوه بمخرجات جلسات الحوار التي دامت لأسبوعين، والتي أفرزت إجراءت ذات أثر مالي لصالح الأساتذة، وتسوية 12 ملفاً فئوياً عمر لسنوات داخل الرفوف دون أن تتجرأ أي حكومة على فتحها.
وبكل الإنصاف الممكن، يعتبر إنجاح الحوار القطاعي في شقه الأول المتعلق بالإجراءات ذات الأثر المالي إنجازاً مهماً للحكومة الحالية، خاصة وأنه جاء بعد سنوات من الجمود في هذا القطاع، والاستجابة لنبض الفاعل التربوي الذي يلعب دوراً أساسياً في بناء مستقبل البلاد.
ولعل المعارضة السياسية لحكومة أخنوش تُعيب عليها قلة الحديث “السياسوي”، لكن يبدو الأمر مفهوما لدى المتتبع للشأن السياسي، حين نعلم أن أغلب وزرائها من التكنوقراط الذين يؤمنون في تكوينهم ومسارهم بالعمل أكثر من الكلام.
وباستحضار ما تحقق قبل منتصف الولاية الحكومية في عدد من الملفات التي تم الحسم فيها عبر قنوات الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين والمهنيين، تظهر للمواطن المغربي صوابية ومعقولية هذا الاختيار السياسي خاصة في الملفات الاجتماعية.
إن هذا الأسلوب الحكومي قد يكون ناجحاً في كثير من الأحايين، خاصة إذا أثمر عن نتائج ملموسة، كما هو الحال في قطاع التعليم، ورغم ذلك فإن الحكومة لا تزال مطالبة ببذل المزيد من الجهود في هذا القطاع الحيوي والمصيري، سيما في مجال الجودة والارتقاء بالمنظومة التعليمية.