يوسف الشفوعي*
إن الحديث عن المؤسسة الملكية بالمغرب بما تحمله من حمولة تاريخية ودينية وسياسية واجتماعية، يجعل منها محط أنظار من أجل محاولة قراءة انعكاساتها على السياسة العامة للدولة والتوجهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كسلطة ضامنة لاستقرار الوطن وحقوق وحريات المواطنين.
وفي سياق مرتبط بالمحيط الجيو سياسي إقليميا ودوليا، فإن اختيار الموضوع جاء في سياق مرور خمسة وعشرين سنة على حكم الملك محمد السادس وكذلك للوقوف على مجموعة من الآليات التي تضحد قول مجموعة من الأبواق الغير متمكنة من مكنون الهوية المغربية الأصيلة وارتباطها بالملكية كمحور أساسي لكل سياسة اقتصادية واجتماعية وسياسية منذ قرون، بل إن المغاربة لم يعرفوا أي نظام للحكم غير الملكية منذ ازيد من 12 قرن.
لذلك، فإن الحديث عن المؤسسة الملكية والذكرى الفضية لتولي الملك محمد السادس الحكم ومن خلالها الوقوف على السياسة الاجتماعية، ذو راهنية لتوضيح مدى أهمية المؤسسة الملكية بالمغرب كمحور لكل سياسة كيفما كان نوعها بالإضافة إلى بعدها الديني وارتباطها بعقيدة المغاربة ذات الروافد المتعددة.
وكمهتم بالشأن العام ومن المسؤولية العلمية وكذا من منطلق أنني أحد أبناء هذا الوطن، ومن خلال الملاحظة المجردة لما نعيشه يوميا من أحداث يجعلني أكثر إيمانا بالدفاع عن الثوابث وإبراز أدوار المؤسسة الملكية في تعزيز الإنتقال الديمقراطي بالمغرب على ضوء الدستور الجديد 2011، وعلى ضوء الخطب الملكية والإجراءات والميكانزمات والآليات التي اتخذتها المؤسسة، غايتة علمية وعملية لرصد مواطن القوة في التجربة المغربية التي تستحق التدعيم والتشجيع، وفي نفس الوقت الوقوف بالمرصاد لجميع المخططات التي تستهدف النظام المغربي وأمن واستقرار المملكة سواء من جهات داخلية أو خارجية.
وما يجعل التجربة المغربية محط إعجاب وتتبع هو هبوب رياح الربيع العربي وما خلفته من تصدع سياسي ومجتمعي واقتصادي. حيث أطاحت رياح الربيع العربي في السنوات القليلة الماضية بعدد من الأنظمة الجمهورية، بالمقابل حافظت الملكيات على استقرارها.
ويعزى ذلك إلى أسباب تتراوح بين الرخاء الاقتصادي وتوسيع المشاركة السياسية في دول أخرى، و بالمغرب حضر الوعي السياسي لدى المؤسسة الملكية بضرورة الانتقال إلى الديمقراطية، وكذلك للمبادرات الملكية الإصلاحية التي تنعكس ايجابا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحقق نوع من الرضا الشعبي، إضافة إلى الاعتماد على الإرث التاريخي والديني والشرعية الدستورية، وأيضا الهيبة الملكية، وأسباب أخرى تعليمية و اجتماعية ونفسية كالشعور بالفطرة لدى الشعوب أن الملكية أمر مركزي ولا يمكن تخيل نظام سياسي أخر للحكم.
وتختلف الأنظمة الملكية بين دولة وأخرى بحسب طبيعة ومميزات تلك الدولة وتكوينها التاريخي والسياسي، وهو ما يجعلنا نقف على طبيعة ومميزات النظام الملكي المغربي في تحصين الانتقال الديمقراطي خصوصا الاثر الاجتماعي والمؤشرات التي اعطت تحول في بنية المجتمع المغربي وجعلته يتحدى المعضلة الاجتماعية و الرهان على العنصر البشري كمحرك للثروة وخلق تميز في المحيط الجيو سياسي بالمنطقة.
ثم إن العاهل المغربي راهن على الأوراش الاجتماعية كمحرك ومنتج للثروة وتأهيل العنصر البشري بشتى مجالاته خصوصا المرأة والشباب الذي كان رهان العهد الجديد.
فتميزت العشرينية بارتدادات اجتماعية حضر فيها الذكاء الجماعي للمغاربة لتجاوز العقبات وكانت الحصيلة جد مشرفة حسب الدارسين، ثم إن أي إقلاع اقتصادي لا تسبقه أرضية اجتماعية صلبة فهو إقلاع فاشل لذلك لم يراهن الملك خلال العشرينية الأولى على تسريع وثيرة التصنيع والإقلاع الإقتصادي بل كانت برامج مؤسسة محمد الخامس للتضامن و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإصلاح منظومة التربية والتكوين ومدونة الأسرة وإطلاق نظام التغطية الصحية ”راميد” في مرحلته الأولى ثم الانتقال إلى الدولة الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الاجبارية على جميع المواطنات والمواطنيين وتفعيل الدعم المباشر للاسر المعوزة، و غيرها من المبادرات الملكية الاجتماعية ارضية لاطلاق جيل جديد من الإصلاحات الاقتصادية والقطع مع العديد من السلوكات والأخطاء التي تم ارتكابها سابقا في تحسن المناخ الاقتصادي والتنافسي للمقاولات، و دعم المقاولات الصغرى وإدخال البعد المجالي والجهوي والترابي في منظور الاستثمار وخلق الثروة لإحداث توازن بين الجهات.
تلكم رهان النموذج التنموي الجديد و غيرها من افاق الاقلاع الاقتصادي و الاجتماعي الذي حسب رأيي المتواضع يجب ان تواكبه نخبة سياسية قادرة على رفع التحدي.
وذلك عبر إطلاق ورش اصلاح حزبي و نقابي موسع للرفع من جاذبية الاحزاب السياسية و النقابية و استقطاب الشباب و الكفاءات من اجل تنويع العرض السياسي لدى المواطن، وإخراج جيل جديد من البرامج ذات جودة لخلق تنافسية حزبية تجعل من الملك رئيس الدولة حكم اعلى و ضامن استقرار الوطن و تحقيق الرضا بينه وبين المواطنين باعتباره راعي الاختيار الديمقراطي للمملكة من خلال تنافس شريف ومن خلال برامج بين الفاعلين السياسيين وجعل الانتخابات صورة أسمى للتعاقد والرضا والتنافس لتحقيق برامج تنموية ذات وقع مباشر على المواطن في الحواضر و البوادي.
*حاصل على شهادة الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية / خبير في قضايا الشباب والعمل الجمعوي