القناة من الرباط
أكد محمد غيات، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، أمس الخميس بالرباط، أن مشروع قانون المالية الحالي ليس مشروعا عاديا، وليس إجراءات مالية وتدبيرية روتينية، بل هو خيار سياسي كبير في تاريخ هذه الأمة، لكونه يطبق حرفيا تَوجيهات جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في وضع الأسرة في محور كل السياسات العمومية.
وأضاف غيات في مداخلته خلال جلسة الشروع في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2024، في اجتماع للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أن العنوانين الكبرى للاختيارات الاجتماعية الواضحة في مشروع القانون، تعلن دون الكثير من الشرح أن كل المغاربة صار لهم نفس الحق في العيش الكريم في وطنهم، المتمثل في الحق في الصحة والحق في السكن اللائق، والحق في العمل الضامن للكرامة.
وأشار رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار إلى أنه يحسب لهاته الحكومة أنها رفعت من وثيرة توطيد الدولة المغربية الحديثة التي تحمي المُعدم والفقير وتمنحه الحد الأدنى من الكرامة، وفي المقابل توفر شروط التنافسية والمبادرة والابتكار والترقي الاجتماعي والاقتصادي، وتضمن في صلب كل هذا استقرار الطبقة الوسطى باعتبارها الضمان الاستراتيجي للتماسك الاجتماعي.
وشدد في هذا الصدد، على أن الفريق سيحرص في تعديلاته على ضرورة عدم تضرر أية فئة من فئات المجتمع، حفاظا على هذا التوازن.
وبعد أن أبرز أن الفعالية الحكومية تتضح كل يوم من خلال اختزال الزمن بين الأمر الملكي وبين التنفيذ الحكومي، أشار في هذا الإطار إلى أن مدة ثلاثة أيام، كانت ما بين المجلس الوزاري الذي أقر الدعم المباشر، وتصريح رئيس الحكومة في البرلمان الذي بسط مضامين برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، والذي لا مجال للمُجادلة على أنه أهم حدث سياسي يبرز الترجمة الحقيقية للالتزامات والوفاء بالوعود والحرص على ربط المسؤولية السياسية والانتخابية بالمخرجات التدبيرية العمومية.
وتابع: “إن برنامج الدعم المباشر كما بسطه رئيس الحكومة هو نجاح لجلالة الملك وللشعب ولحظة تاريخية فاصلة في الحياة السياسية المغربية.. بل هو شهادة اعتراف في حق هذه الحكومة، وانتصار لاختياراتها الاجتماعية لصالح الفئات الهشة والفقيرة”، مؤكدا أن هذا هو التدبير السياسي الرزين والمتكامل الذي يتأسس على المواطنة والانصاف.
وأفاد أن تفاصيل مشروع قانون المالية لسنة 2024، تخلص إلى أن الأمر يتعلق بتدشين بداية الانتقال الفعلي من عنوان سياسي عريض اسمه: إرساء ركائز الدولة الاجتماعية إلى التنزيل الفعلي للدولة الاجتماعية باعتبارها رهان ملكي استراتيجي وأفق حكومي محسوم، مذكرا في هذا الصدد بالمحاور الأربعة التي يقوم عليها مشروع القانون والمتمثلة في تدبير آثار الزلزال وإعادة الإعمار وتعويض المتضررين، والدعم المباشر ودعم السكن، ومراجعة مدونة الأسرة ومركزية قضايا الأسرة المغربية، إضافة إلى استكمال تنفيذ الأوراش الكبرى المهيكلة، خصوصا خارطة طريق إصلاح المنظومة التربوية.
وفي هذا الصدد، ناشد غيات كل القوى الحية في المجال التربوي إلى دعم الإصلاح وتقديم مصلحة التلميذ عن كل شيء، معربا عن أسفه من رؤية الأطفال خارج الحجرات الدراسية.
ولكن لكسب هذا الرهان الصعب، أكد غيات أن الحكومة تخوض تحدي معالجة الاختلالات الضريبية وتعزيز استدامة المالية العمومية، فمن دون نظام ضريبي عادل ليس هناك مناخ اقتصادي صحي جاذب للاستثمار ورؤوس الأموال، مضيفا أنه من دون استدامة المالية العمومية والحكامة في تدبير الهوامش المالية ليست هناك اعتمادات لتمويل البرامج الاجتماعية ذات الأثر المباشر على المواطن.
وتابع: “وبالتالي نحن أمام قانون مالي بنفس اجتماعي تضامني، يحسّن مناخ الاقتصاد عبر العدالة الضريبية وميثاق الاستثمار والجيل الأخضر واستراتيجية المغرب الرقمي ومشروع عرض مغرب للهيدروجين الأخضر، وفي نفس الوقت يمنح للمواطن البسيط مساعدة مالية مباشرة، بتكلفة تصل إلى 25 مليار درهم سنويا”.
وأوضح أن “هذه هي الديمقراطية الاجتماعية التي نؤمن بها ونتبناها كاختيار سياسي، في حزب التجمع الوطني للأحرار.. ونراها اليوم سياسات عمومية فعلية، ترتكز على صيانة كرامة المواطن”.
وزاد قائلا: “ما يجعلُنا مطمئنون على البعد الاجتماعي والإنساني في مشروع قانون المالية هو الحرص على تعبئة الاعتمادات الكافية لتمويل ورش الحماية الاجتماعية وتحمل الدولة المساهمة عوض عن 4 مليون أسرة مغربية فقيرة في صندوق التضامن الاجتماعي بأكثر من 9 مليار درهم”.
وفي نفس الوقت، نوّه رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، بالاستمرار في خلق مناصب مالية عمومية التي وصلت اليوم إلى 50 ألف منصب مالي بعدما ظلت لسنوات لا تتجاوز 20 ألف، مع مواصلة الوفاء بالتزامات الحوار الاجتماعي سنة 2022، كانت 8 مليار درهم لتحسين أجور الموظفين في قطاعات مختلفة.
وأشار إلى أن هناك 4.2 مليار درهم للاستمرار على نفس خط ظروف الطبقة الوسطى، التي صار لها اليوم الإمكانية من الاستفادة المباشرة من الدعم العمومي الموجه للسكن لتحسين ظروف عيشها.
وأضاف: “نَطْمئن أكثر على استمرار تنزيل مرتكزات البرنامج الحكومي الذي التزمنا به مع المواطن من خلال استمرار رفع اعتمادات القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم”، مسجلا تخصيص 2.6 مليار درهم إضافية من ميزانية الصحة، و5 مليار درهم لتنزيل خارطة الطريق لإصلاح التعليم.
وسجّل كذلك مركزية تنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز من اجل 60 ألف أسرة، والمساعدة المالية المباشرة للمساكن التي انهارت، إضافة إلى تعبئة 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات، مردفا: “لتحقيق التنمية المؤجلة في هذه المناطق التي حان الآوان لإنصافها.. وجاء الوقت لتصفية المقولة الاستعمارية التي قسمت البلاد إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع”.
وفي هذا الصدد، تابع غيات قائلا: “اليوم عندنا مغرب واحد، هو مغرب الجدية والثقة والاستمرارية”.
أما في ملف الاستثمار، وخُصوصا الاستثمار العمومي الذي يعتبر القاطرة الفعلية للاقتصاد الوطني، نوّه غيات بتخصيص الحكومة له 335 مليار درهم، بعد 300 مليار درهم في ميزانية السنة الماضية للاستثمار العمومي، وهي سابقة في الحكومات المغربية، مشيرا إلى أن هذا التوجه طبيعي بحكم نيل المغرب شرف تنظيم مونديال 2030 وكأس افريقيا 2025، وما يقتضي ذلك من استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتجهيزات الرياضية وبالتالي خلق فرص شغل أكثر ، وموارد مالية أكثر للمقاولات المغربية بكل أصنافها.
إثر ذلك، أكد غيات أن الأمر يتعلق بهندسة مالية اجتماعية مبتكرة، مردفا: “ما يمكن إلا أن نقول إنها مبدعة … وفيها منسوب كبير من الحرفية.. هندسة مالية كاملة الأبعاد ودقيقة الاستهداف تؤكد أننا أمام حكومة ذات رؤية واضحة وبوصلة سياسية لها اتجاه واحد ومسار محسوم هو تحقيق الطموح الملكي في تجديد الدولة المغربية والتحسين المستمر لحياة كل المغاربة”.