القناة ـ محمد أيت بو
تفاعل مصطفى يحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية، مع القرارات الأخيرة لوزارة التربية الوطنية بخصوص مباريات أطر الأكاديميات، مبرزاً أن “ما جاء في الأطروحة الإصلاحية لوزير التعليم الحالي شكيب بنموسى بداية لحل طموح”.
وأوضح يحياوي، أنه “قد يبدو الأمر مستفزا وصادما، وربما لا يراعي مشاعر الكثير من مربي الأجيال وحتى الشباب المراهن على حلم أن ينجح في مباراة “التعليم”، لكن بموضوعية ما قاله وزير التعليم “بنموسى” فيه الكثير مما يقتضي التفكير مليا وبدون عاطفة”، مؤكداً أن “التعليم المغربي تحول إلى “مهنة من لا مهنة له”. وفق تعبيره.
وقال المتحدث ذاته: “سأسرد في البداية تأويل بعض من خلاصات البحث الميداني الذي أنجزته الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، أولها أن هناك عجز بنيوي في المنظومة على مستوى التحكم التربوي في إيقاع تراجع كفايات الاكتساب في المرحلة الأولى من المسار التعليمي للتلميذ”.
مرد هذا العجز، يقول يحياوي أن “المنظومة خلال على الأقل 20 سنة الماضية تخلفت في تحيين أدوات التقييم البيداغوجي، بالرغم من أن الواقع الثقافي المحيط بالمدرسة قد شهد تحولات قيمية وميولات اجتماعية ونفسية للأفراد أثرت بشكل مباشر على التواصل اللغوي وعلى التعاطي مع قيمة المعرفة المدرسي”.
واسترسل الأستاذ الجامعي بقوله: “التراخي الواضح في السياسة القطاعية مع ظاهرة الانقطاع المدرسي قبل 15 السنة، وعدم الاكتراث بدور القطاع في المقاربة الاندماجية في معالجة الظواهر الاجتماعية المركبة للأطفال المنقطعين عن الدراسة خلال الفترة بين 15-18 سنة”.
وأكد يحياوي أن هذا “هو ما جعل السببية تزداد نظامية وترتفع خلال السنوات الأخيرة بين الظواهر التالية: شيوع الجريمة الحضرية بين فئة الشباب ما دون 24 سنة، وتزايد نسبة العود عند هذه الفئة ممن قضى منهم لعقوبة حبسية أو إصلاحية، وارتفاع عدد الشباب الذين يوجدون في وضعية دون عمل ولا تكوين ولا تعليم NEET”.
وعزا المتحدث ذاته، العجز إلى “عدم اهتمام الحكومات بتدني الصورة الاجتماعية للمعلم منذ على الأقل نهاية التسعينات أثر بشكل واضح على وضعه الاعتباري لدى التلميذ. وقد زاد في تدهور الوضع عدم استباق الحكومات ذاتها لمخاطر نهاية الدورة المهنية للجيلين الأولين لرجال ونساء التعليم، وعدم الاستعداد لما بعد هذه الدورة”
هذه الوضعية المسكوت عنها، يضيف مصطفى يحياوي، في سلسلة تغريدات على موقع ’تويتر’: “أدت إلى تآكل ثقافة المهنية وإلى اختلال التراتبية الرمزية المحفزة على صيانة الحاجة المجتمعية لوظيفة المعلم”.
وتابع: “النهاية التدريجية للتقدير الاجتماعي للمدرسة العمومية بسبب التغول السريع للقطاع الخاص، بدون أي استباق من قبل الحكومات المتعاقبة لمحدودية لقدراتها التنافسية بسبب غياب التحفيز على ممارسة مهنة تتغذى بالموقع الرمزي لمزاوليها داخل مجتمع يعترف بالحاجة إليها في التنشئة الاجتماعية”، مضيفا “تغاضي المدبر العمومي عن الممارسات الفردية غير “المستحسنة” لجزء من ممتهني التعليم، خاصة المزاوجة بين الوظيفة داخل القسم ودروس الدعم والتعليم بالقطاع الخاص”.
وخلص يحياوي إلى حصيلتين، الأولى: “تلميذ في القطاع الخاص يتقين مهارة الحيل في اكتساب المعرفة الرياضية والعلمية بصفة عامة، وحالات واقعية لأستاذ يلهث وراء فرص دروس الدعم في جميع المواد بما فيها الفلسفة”. والثانية” “تلميذ لا يتقن كتابة النصوص بسبب افتقاد الرغبة في استعمال متخيل لغوي منتج للفكرة”.
بهذا العجز البنيوي، يؤكد الأستاذ الجامعي “لا يمكن للجامعة أن تستدرك ما تخلفت عنه المدرسة. وعليه، إن أردنا حقا أن نعيد الاعتبار لمهنة “المعلم” لا يجب أن يكون من يريد مزاولتها غير مؤهل لتدارك خصاص تكوينه المدرسي”، مشدداً على أن “الجامعة لا تلقن الأساسيات المدرسية، وسيكون من غير المنطقي ومن إضاعة الوقت أن ننتظر خريجيها لممارسة مهنة تستحق أن يلقن مزاولوها تلك الأساسيات المعرفية”.
وخلص مصطفى يحياوي في تحليله إلى أن “الحل الأمثل أن ننتج صناعة تربوية معلنة بشكل كاف ولا تراهن على الاستعجالية في معالجة مشاكل متراكمة تشكل مخاطر جسيمة على مستقبل الوحدة العضوية لمجتمع يتقدم ويقدر دوليا بفضل رأسماله البشرية”.