القناة ـ محمد أيت بو
مفارقة غريبة تلك التي كشف عنها منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء عبد الواحد جمالي الإدريسي، ضمن أشغال الجامعة الخريفية، أمس الأربعاء بالسجن المحلي سلا، حيث قال إنه “إذا كان من الطبيعي أن يتخوف الإنسان من دخول السجن، فإن بعض السجناء بالمغرب يتخوفون من مغادرة المؤسسة السجنية”.
هذه المفارقة الغريبة، حملتها جريدة “القناة” للأستاذ الباحث في علم الإجتماع، فوزي بوخريص، مؤكداً أن “الهدف من العقوبة السجنية هو الردع، وإبداع مرتكبها مؤقتا عن المجتمع بالنظر للخطورة التي يمثلها”.
ولكن، يستدرك الباحث، أن “المقاربة الدولية تؤكد على أن السجين ينبغي أن يؤدي عقوبته لكن دون عزل وإبعاد عن المجتمع، بل بالعكس ينبغي الإبقاء على علاقاته مع أسرته ومع فضاءات المجتمع المختلفة بما فيها المجتمع المدني”.
وأكد المتحدث ذاته، أن “هذا الإبقاء يساعد السجين على أن ينتقل بشكل طبيعي وتدريجي من المؤسسة السجنية إلى الفضاء العام للمجتمع”، مضيفا “أما عزله وإبعاده بشكل تام، فهذا يولد لديه هذا الخوف من المجتمع، خصوصا أمام الوصم الخارجي تجاه كل من قضى عقوبة سجنية”.
وشدد فوزي بوخريص، على أن “المجتمع المدني له دور مهم جدا في هذا الصدد”، مضيفاً أنه “في التجارب الدولية تؤكد على أهمية هذا الربط بين المجتمع والمؤسسة السجنية عبر مختلف مؤسسات المجتمع المدني في تخصصاتها المختلفة”.
الجمعيات والحد من حالات العود
في سياق متصل، أكد الباحث في علم الاجتماع، على الدور المحوري والهام لجمعيات المجتمع المدني في الحد من حالات العود التي يشهدها المجتمع المغربي بشكل ملحوظ.
وأشار المتحدث ذاته، في حديثه مع جريدة “القناة” الإلكترونية، إلى أن “الجهود المهمة التي تقوم بها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، لكنها تحتاج إلى دعم باقي الشركاء وعلى رأسهم المجتمع المدني”.
وتابع: “مسألة إعداد السجناء لإعادة الإدماج، باعتبارها عملية تبدأ منذ أن تطأ قدمي السجين المؤسسة السجينة، بمعنى ضرورة أن تنبني هذه العملية على نوع من التشخيص الحقيقي لوضعية السجناء الطبية والعقلية والنفسية والاجتماعية”.
وانطلاقاً من هذا التشخيص، يضيف المتحدث ذاته “يمكن أن يخطط لمسار تنفيذ العقوبة، يأخذ بعين الاعتبار خصوصية السجين وحاجياته وأولوياته”، في هذا الإطار “يبدو أن مسؤولية المجتمع المدني مهمة جداً، والانفتاح عليها يمكن أن يساعد المندوبية العامة لإدارة السجون على ربح هذا الرهان”.
واستطرد الباحث، أن “المندوبية العامة يؤطرها إطار قانوني ومؤسساتي انتبه مبكراً إلى أهمية مساهمة المجتمع المدني منذ سنة 1999، والمراسيم التطبيقية في عام 2000″، مستدركا أنه “ينبغي لهذا الإطار التشريعي أن يتطور أيضا، بالأخذ بعين الاعتبار مستجدات الدستور الذي أولى أهمية كبيرة للمجتمع المدني وكذا المواثيق والمعاهدات الدولية”.
وخلص فوزي بوخريص، إلى أن “كل ذلك من أجل توفير بيئة قانونية ومؤسساتية تساعد المجتمع المدني على المساهمة لعب دورها في تحويل السجون إلى تفريخ الإجرام وإعداد بشكل عكسي السجناء للعود، بل تحويل السجن إلى مدرسة للإصلاح والتربية والتهديب، وربط الجسور بين المؤسسة السجنية والمجتمع”.