كريم اعويفية*
كان لحزمة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أثر صدمة طالت هيكلة الاقتصاد العالمي، وتسببت في اضطراب كبرى الأسواق المالية. إذ اجتاحت موجة من عدم اليقين الأوساط الاقتصادية، مما أثار مخاوف من تصعيد تجاري وركود ستكون له عواقب وخيمة، لاسيما على الاستثمارات.
ففي ظل هذا المعطى الجديد، تنهال عاصفة من التحليلات من كافة الآفاق، لتوضيح أسباب نزول السياسة التي ينهجها قاطن البيت الأبيض، والتي تقررت يوم الثاني من أبريل، “يوم التحرير”.
هذا الحدث الذي تم الإعلان عنه باعتباه توطئة لـ”عصر ذهبي” للمنتجات المصنعة في أمريكا، يخلو من الممارسات التجارية التي تعتبر “مجحفة” في حق الولايات المتحدة.
في سنة 2024، وصل إجمالي عجز الحساب الجاري الأمريكي، وهو مقياس عام للتجارة والمداخيل المتحصلة من الخارج، إلى 1.1 تريليون دولار.
في هذا التاريخ، الذي تم إعلانه يوما للتحرير، والذي هز أركان عالم الأعمال والجيوسياسة، أصدر الرئيس الأمريكي مرسوما بفرض تعريفة جديدة بنسبة 10 بالمائة على كافة السلع المستوردة، فضلا عن ضريبة استيراد عقابية إضافية تمت ملاءمتها مع كل بلد من البلدان الستين، التي تفرض، حسب مستشاريه، أكثر الحواجز صرامة ضد المنتجات الأمريكية.
من بين هذه الدول، ستخضع الصين لرسوم جمركية بنسبة 34 بالمائة، والهند بنسبة 26 بالمائة، واليابان بنسبة 24 بالمائة، فيما ستواجه بلدان الاتحاد الأوروبي تعريفات بقيمة 20 بالمائة. من جانب آخر، سيتم فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمائة على السيارات التي تستوردها الولايات المتحدة.
بهدف استيعاب دلالات قرار الإدارة الأمريكية، الذي دخل حيز التنفيذ السبت، يتطرق الملاحظون ووسائل الإعلام إلى إعمال “فن التفاوض” (فن الصفقة)، الذي يتشبث به الرئيس دونالد ترامب منذ سنة 1989، عندما شارك إلى جانب الصحافي توني شوارتز في تأليف الكتاب الأكثر مبيعا “ترامب: فن الصفقة”. من جانب آخر، يفضل المحللون الحديث عن بداية نهاية العولمة وعن الممارسات التجارية التي شكلت، حتى الآن، أسس “الاستقرار النيوليبرالي”.
يقول نيوت جينغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي، إن “ترامب يحب التفاوض. وقد أدرك في مرحلة ما، ربما خلال هذه السنوات الأربع من المفاوضات الصعبة في فترة ولايته الأولى، أننا أكبر اقتصاد في العالم، ونستفيد من أكبر ميزة صافية، وبالتالي، نفوز تقريبا دائما في المفاوضات”.
ويعتبر هذا السياسي أن ترامب، الذي يتمتع بخبرة كرجل أعمال، يمتلك فكرة واضحة: جذب الشركات والوظائف إلى الولايات المتحدة وإقناع الدول بتخفيض رسومها الجمركية، أو منح واشنطن “شيئا آخر يعتبره ذا قيمة كبيرة”.
في تحليلها لحزمة الرسوم الجمركية التي أقرها قاطن البيت الأبيض، تستحضر صحيفة “يو إس إي توداي” أسلوب التفاوض الذي ينهجه ترامب، مسجلة أن الرئيس الجمهوري قام، إلى حد ما، بتعليق قراره إزاء عدة بلدان بعد أن قدمت هذه الأخيرة “تنازلات”.
وفي هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن مستشاري ترامب أنفسهم وصفوا مقاربته بالمعاملة التجارية، مضيفين أن الرئيس “ي سخ ر خبرته المهنية كمطور عقاري ورجل أعمال يتمتع بتجربة في التفاوض”.
هذه الاستراتيجية بدأت تؤتي ثمارها، كما تعتبر هيئة تحرير صحيفة (نيويورك بوست)، مستعرضة حالة المكسيك التي وافقت، بغية تجنب الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب، على إرسال 10 آلاف جندي إلى الحدود لمحاربة الفنتانيل والهجرة غير القانونية، كما طلبت ذلك واشنطن.
كما تطرقت إلى حالة بنما، التي تخلت عن بروتوكول اتفاق بشأن انضمامها إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بعد أن أعلن رئيس السلطة التنفيذية الأمريكية أن بلاده تعتزم “استعادة” قناة بنما.
ولعل أحدث مثال على “نجاح” سياسة “الصفقات” الأمريكية الجديدة يتمثل في إعلان دونالد ترامب أن فيتنام “تريد تقليص ضرائبها الجمركية إلى الصفر إذا تمكنت من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة”. وفي السياق ذاته، تواصلت أكثر من 50 دولة مع البيت الأبيض لبدء المفاوضات مع الإدارة الفدرالية، وفق ما أفاد به مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي، كيفن هاسيت.
وبالنسبة لمحللين آخرين، على غرار الصحفيين المتخصصين جيسون دوغلاس وتوم فيرليس، فإن الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس ترامب “تبعث برسالة واضحة إلى الشركات الأمريكية والأجنبية: عصر العولمة قد ولى”.
ففي مقال نشرته (وول ستريت جورنال)، يوضح الصحافيان أن “خطة ترامب لفرض تعريفات جمركية جديدة ضخمة على واردات قيمتها تريليونات الدولارات تظهر أن البيت الأبيض يرغب في أن تكون السلع الموجهة للمستهلكين الأمريكيين مصنوعة محليا، مما ينهي الدعم الأمريكي للعولمة المتسارعة التي غذ ت الاقتصاد العالمي طيلة عقود”.
هذا الرأي يتقاسمه أندري سابير، المسؤول السابق في الاتحاد الأوروبي وأستاذ الاقتصاد في جامعة بروكسل الحرة، الذي يعتبر أن الولايات المتحدة “كانت في صلب العولمة. واليوم، يريد هذا المركز الانسحاب منها”.
بدورها، ترى المحللة خيمينا فيرغارا أن خطة الرسوم الجمركية الجديدة للرئيس ترامب تمثل “تغييرا ملحوظا” مقارنة بالقواعد التجارية التي رسمت معالم الفترة النيوليبرالية.
في السياق ذاته، أوردت صحيفة “التايمز”، الأحد، تعليقا لمسؤول بريطاني شريطة عدم الكشف عن هويته، بشأن قرار التعريفة الجمركية الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، معتبرا أن “العالم تغير وأن العولمة انتهت. حان الآن عصر جديد”.
وفي ظرفية تطبعها التحليلات والتكهنات، يحبذ الرئيس الأمريكي الحديث عن “ثورة اقتصادية” ستنتصر فيها واشنطن، فيما يتحدث وزير خارجيته، ماركو روبيو، عن “إعادة تحديد الولايات المتحدة لملامح النظام التجاري العالمي”.
*عن و م ع